في كل شتاء تقريبًا، يظهر سؤال يتكرر عند كثيرين: لماذا أشعر أن الجوع في الشتاء أقوى؟ ولماذا ترتفع الشهية فجأة، وتصبح الأطعمة الدافئة والوجبات الثقيلة أكثر إغراءً، حتى لدى من يلتزمون بخطة رجيم واضحة؟ هذه الظاهرة ليست مجرد “مزاج موسمي”، بل تجربة شائعة تجعل السيطرة على الأكل أصعب، وتحوّل السناكات إلى عادة يومية، وتضع هدف إنقاص الوزن أمام اختبار حقيقي ،خصوصًا عندما يتداخل الجوع مع الروتين الشتوي ومع رغبة طبيعية في الراحة. فلماذا نشعر بالجوع أكثر في الشتاء مقارنة بالصيف؟وهل برودة الطقس تزيد الشهية فعلًا أم أنها عادة نفسية ؟
لماذا نشعر بـ الجوع في الشتاء اكثر ،مقارنة بالصيف؟
ما علاقة الشتاء بزيادة الأكل العاطفي؟
هناك علاقة واضحة بين الجوع في الشتاء وزيادة الأكل العاطفي عند كثير من الناس، لأن الشتاء يخلق بيئة مثالية لارتفاع الرغبة في الطعام كوسيلة للراحة لا للجوع الحقيقي. مع قِصر النهار وقلة الضوء، قد تتأثر كيمياء الدماغ والإيقاع اليومي المرتبط بالنوم والمزاج (مثل السيروتونين والميلاتونين)؛ وهذا يظهر عند بعض الأشخاص على شكل مزاج منخفض أو خمول، ومعه زيادة الشهية وخصوصًا اشتهاء الكربوهيدرات،وهي سِمة شائعة في الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD).
وفي الوقت نفسه، يميل الشتاء إلى زيادة الجلوس داخل المنزل وتقليل الأنشطة الخارجية، فتكثر لحظات الفراغ أو الملل أمام التلفاز، وتصبح الأطعمة الدافئة رمزًا للراحة والطمأنينة؛ لذلك تكون الرغبة غالبًا مرتبطة بما يشعرك به الطعام أكثر من حاجة جسدك الفعلية للطاقة. النتيجة: يرتفع الأكل العاطفي في الشتاء لأن الطعام يتحول بسهولة إلى أداة تنظيم للمشاعر (تهدئة/تسلية/تعويض)، لا مجرد تلبية للجوع.
ما هو الأكل العاطفي؟
الأكل العاطفي هو تناول الطعام استجابةً للمشاعر مثل التوتر أو الحزن أو الملل أو القلق، وليس بسبب الجوع الحقيقي؛ وغالبًا يكون اندفاعيًا ويترك شعورًا بالندم بدل الشبع.
كيف أخفف الجوع في الشتاء مع المحافظة على الدفء دون حلويات؟
لتخفيف الجوع في الشتاء مع المحافظة على الدفء دون الاعتماد على الحلويات، ركّز على “دفء + شبع” من مصادر قليلة السكر وعالية البروتين والألياف:
-
ابدأ بوجبة دافئة مشبِعة: شوربة خضار/عدس أو مرق دجاج مع خضار، ثم طبق فيه بروتين (بيض، دجاج، سمك، لبن/زبادي، بقول) + خضار. الدفء يهدّئ الرغبة، والبروتين يطيل الشبع.
-
زد الألياف الذكية: الشوفان، العدس، الفول، الحمص، الخضار المطبوخة، التفاح/الكمثرى… الألياف تقلّل الجوع وتمنع نقر السناكات.
-
مشروبات ساخنة بلا سكر: ماء دافئ، شاي أعشاب (قرفة/زنجبيل/نعناع/بابونج) أو قهوة/شاي بدون تحلية. هذا يعطي إحساس الدفء ويخفف اشتهاء التسالي.
-
سناك دافئ بدل الحلو:
-
زبادي/لبن دافئ قليلًا مع قرفة (بدون سكر)
-
بطاطا/قرع مشوي بكمية محسوبة
-
حمص دافئ مع كمون وليمون
-
بيضة مسلوقة + شاي أعشاب
-
-
وازن الملح والكربوهيدرات: الإفراط فيهما يزيد “الجوع الوهمي” والانتفاخ. اجعل الكربوهيدرات ضمن وجبة متوازنة لا كسناك سكري.
-
دفء غير غذائي: أحيانًا ما نبحث عنه هو الدفء لا الأكل،جرّب بطانية، حمام دافئ، أو قربة ماء ساخن قبل السناك بـ10 دقائق؛ كثيرًا ما يخفّ الاشتهاء.
-
خطّة سريعة عند هجمة الجوع: كوب ماء دافئ + 5 دقائق انتظار + إذا بقي الجوع اختر سناك بروتين/ألياف (وليس سكر).
هل شرب الماء يقلّ في الشتاء ويسبب جوعًا وهميًا؟
غالبًا يقل شرب الماء في الشتاء لأن الإحساس بالعطش يصبح أضعف مع برودة الطقس، فيظن كثيرون أنهم لا يحتاجون سوائل كافية كما في الصيف. لكن انخفاض الترطيب قد يرسل للجسم إشارات يختلط تفسيرها في الدماغ مع إشارات الجوع، فيظهر ما يُسمّى الجوع الوهمي: رغبة مفاجئة في الأكل أو سناك بين الوجبات، بينما الحاجة الأساسية تكون للماء.
ويزداد هذا الالتباس مع الجلوس الطويل في أماكن مُدفّأة وهواء جاف، أو مع كثرة القهوة والشاي التي قد تقلل انتباهك للترطيب. لذلك، كقاعدة عملية مفيدة للشتاء: عند شعورك بالجوع خارج وقت الوجبة، جرّب كوب ماء دافئ وانتظر 10 دقائق؛ إن هدأ الإحساس فغالبًا كان عطشًا، وإن استمر فاختَر سناكًا مشبعًا يعتمد على البروتين أو الألياف بدل السكريات، لتفصل بين احتياج الجسم الحقيقي وبين الرغبة اللحظية في الأكل.

ما أفضل أطعمة شتوية تشبع بسعرات أقل؟
هل قلة التعرّض للشمس تؤثر على الجوع والمزاج؟
قلّة التعرّض للشمس يمكن أن تؤثر على المزاج والجوع في الشتاء عند كثير من الناس، لأن ضوء النهار ليس “إضاءة” فقط، بل إشارة بيولوجية تنظّم الساعة الداخلية (الإيقاع اليومي) في الدماغ. عندما يقل الضوء وتطول العتمة، قد يختل تنظيم النوم واليقظة، ويزيد الميل إلى الخمول والنوم الزائد عند البعض، ومعه تتغيّر الشهية. هذا واضح خصوصًا لدى من يعانون من الاضطراب العاطفي الموسمي (SAD)؛ حيث تُذكر ضمن أعراضه الشتوية تغيّرات الشهية مع اشتهاء الكربوهيدرات وزيادة الوزن إضافة إلى انخفاض الطاقة.
ومن زاوية الجوع في الشتاء تحديدًا، للضوء علاقة بإشارات الجوع والشبع عبر هرمونات مثل اللبتين (الشبع) والغريلين (الجوع) وبالارتباط الوثيق بين الضوء والنوم والتمثيل الغذائي. هناك دراسات تشير إلى أن التعرّض للضوء صباحًا قد يغيّر مستويات اللبتين والغريلين لدى أشخاص محرومين من النوم، ما قد ينعكس على الإحساس بالجوع. إضافةً إلى ذلك، انخفاض ضوء النهار قد يرتبط بانخفاض السيروتونين لدى بعض الأشخاص، وهو ما قد يفسّر ازدياد “الرغبة” في أطعمة نشوية/سكرية لأنها تمنح إحساسًا سريعًا بالتحسّن.
أما فيتامين د: قلّة الشمس قد ترفع احتمال انخفاضه، وهناك دراسات رصدية تربط بين انخفاض 25(OH)D وزيادة الوزن على المدى الطويل، لكن العلاقة معقّدة (قد يكون انخفاضه سببًا أو نتيجةً أو مرتبطًا بعوامل أخرى مثل قلة الحركة).
متى تقلق؟ إذا كان انخفاض المزاج مع زيادة الشهية/النعاس يتكرر كل شتاء ويؤثر على حياتك، فقد يكون نمطًا قريبًا من SAD ،وهنا قد يفيد التعرّض لضوء صباحي قوي (خارج المنزل إن أمكن) أو العلاج بالضوء تحت إرشاد مختص او استشارة أخصائي تغذية .
خلاصة:
في النهاية، من الطبيعي أن يزيد الجوع في الشتاء وأن يتغيّر المزاج والشهية مع تغيّر الفصول، وأن تترك قلّة التعرّض للشمس أثرًا على الطاقة والنوم والرغبة في الطعام لدى كثير من الناس، خصوصًا في الشتاء. المهم ألا نُفسّر هذه التغيّرات على أنها ضعف إرادة، بل نفهمها كإشارات يمكن التعامل معها بوعي: زيادة جرعة ضوء النهار قدر الإمكان، دعم الروتين اليومي، والاهتمام بالنوم والغذاء المتوازن. وإذا لاحظت أن الأعراض تتكرر كل شتاء وتؤثر على حياتك أو ترفع الأكل العاطفي بشكل واضح، فطلب المساعدة من مختص خطوة ذكية،لأن العلاج المبكر يختصر الطريق ويعيد الاتزان بسرعة.


شاركونا أفكاركم